السؤال:
هذه رسالة وردتنا من باكستان، والرسالة من جانب، يقول الراقم -وأعتقد يقصد الكاتب أو المرسل- الراقم الاسم المولوي غلام الأصفياء من باكستان بلدة ميانة كوندل كادورات في الحقيقة، رسالته الخط جيد ولكن بعض الكلمات للأسف لإخراجها لأن اللهجة متغيرة بعض الشيء، ويتحدث عن الشرك، يقول: من باكستان، من جانب أحقر الورى، إلى زمرة العلماء رعاهم الله في الدنيا والعقبى، فأسلم عليكم؟
الشيخ:
عليكم السلام.
السؤال:
في الحقيقة قبل أن نبدأ بقول باسمه سبحانه وتعالى. ثم يقول: فأسلم عليكم وعلى من لديكم، وبعد، فأنا رجل عالم، أسمع كل يوم برنامج نور على الدرب الذي يجيب فيه الشيوخ أصحاب الفضيلة على الأسئلة الدينية، فأنا أسألكم ما تعريف الشرك جامعاً ومانعاً، وما كانوا يشركون كفار مكة وهو الشرك الأعظم؛ لأني تعمقت في القرآن والأحاديث فعلمت أنهم ما كانوا يستعينون من الأصنام، وما كانوا يلجئون في الاضطرار إلا إلى الله كما جاء في القرآن. في الحقيقة إن عرض آيات عريضة عن الشرك بالله سبحانه وتعالى من الآيات التي وردت في القرآن الكريم، وتدل على أنه من المطلعين على علوم القرآن وعلى ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أورد بعض الأحاديث، ونتركها للاختصار، يقول: بل كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق والرازق والمنجي ومجيب المضطر والمحيي والمميت ومدبر الأمر والمالك، كما هو الظاهر من تلبيتهم: لا شريك لك، لا شريك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، وهذه الآية ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أفتوني جزاكم الله، فأنا أسمع كل يوم على الراديو من السابعة مساء إلى التاسعة أولاً صلاة المغرب، وبعد يتلو الشيخ عبد الله الخريفي، ثم يقدم قرون الهجرة حسن حبشي، ثم يقدم نور على الدرب سليمان الشبانة ويجيب فيه الأسئلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وبقية المشايخ. يرجو في هذه الرسالة أن تتحدثوا عما ورد في القرآن من الشرك، وما هو شرك كفار قريش.
الجواب:
الشيخ: الإجابة عن هذا: أولاً قول الأخ الكاتب أو الراقم باسمه تعالى هذا خلاف السنة؛ لأن السنة أن يقول الإنسان باسم الله، بالاسم المظهر لا بالضمير، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء، قال الله تبارك وتعالى عن كتاب سليمان إلى ملكة سبأ: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الله يبدأ بقوله بسم الله الرحمن الرحيم. أما الاسم المضمر فإنه لا يدل على اسم الله تبارك وتعالى إلا من كان يعرف أن ابتداء الأمور باسم الله، فقد يعرف أن هذا الضمير يرجع إلى الله تبارك وتعالى. وعلى كل حال فالضمير مبهم يحتاج إلى معرفة مرجعه، فلا ينبغي أن يستعمل في مقام الإظهار لا سيما وأنه على خلاف السنة الواردة عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأما بالنسبة لشرك المشركين.
السائل: إذاً قبل أن ننتقل إلى شرك المشركين نقول للأخ من باكستان الملوي غلام الأصفياء، نقول له: في رسائلك بعد أن تسمع هذا اليوم عليك أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم.
الشيخ: نعم، هذا هو الأفضل.
السؤال: أثابكم الله.
الشيخ: أما بالنسبة لشرك المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس شركاً في الربوبية؛ لأن القرآن يدل على أنهم إنما كانوا يشركون في العبادة فقط، أما في الربوبية فيؤمنون بأن الله وحده هو الرب، وأنه يجيب دعوة المضطرين، وأنه هو الذي يكشف السوء، إلى غير ذلك مما ذكر الله تبارك وتعالى عنهم من إقرارهم بربوبية الله عز وجل وحده، ولكن هم كانوا مشركين بالعبادة؛ يعبدون غير الله معه، وهذا شرك مخرج عن الملة؛ لأن التوحيد هو عبارة حسب دلالة اللفظ جعل الشيء واحداً، والله تبارك وتعالى له حقوق يجب أن يفرد بها، وهذه الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها حقوق ملكية، والثاني حقوق عبادة، والثالث حقوق أسماء وصفات. ولهذا قسم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة. فأما توحيد الربوبية فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالخلق والأمر كما قال الله تعالى: ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ فالخلق والأمر وهو التدبير هذا هو الربوبية، وهو مختص بالله عز وجل، فلا خالق إلا الله، ولا آمر ومدبر إلا الله عز وجل. وأما توحيد الأسماء والصفات فهو إفراد الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته بحيث يؤمن العبد بما أثبت الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم له من الأسماء والصفات على الوجه الذي أراد الله ورسوله، وعلى الوجه اللائق به من غير إثبات شبيه له أو مثيل؛ لأن إثبات شبيه أو مثيل هذا هو الشرك. وأما توحيد العبادة فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة؛ بمعنى أن تعبد الله مخلصاً له الدين لقوله تعالى: ﴿قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين﴾ فالمشركون إنما أشركوا في هذا القسم -قسم العبادة- حيث كانوا يعبدون مع الله غيره، وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً﴾ أي: في عبادته، وقال تعالى: ﴿إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار﴾ وقال تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ وقال تعالى: ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾ وقال تعالى في سورة الإخلاص: ﴿قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تبعدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين﴾ وقوله في سورة الإخلاص يعني إخلاص العمل، فهي سورة الإخلاص، إخلاص العمل، وإن كانت تسمى بسورة الكافرون، لكنها في الحقيقة سورة إخلاص العمل، كما أن سورة (قل هو الله أحد) سورة إخلاص علم وعقيدة. فالحاصل أن هؤلاء المشركين الذين بعث فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام وإن كانوا لا يستعينون إلا بالله ولا يستغيثون إلا به ولا يقرون بأن أحداً خالق سوى الله عز وجل لكنهم كانوا مشركين من أجل إشراكهم في العبادة.
السؤال:
إذاً على حسب ما فهمنا من كلامكم فضيلة الشيخ أنهم لا يشركون بالله إلا في العبادة فقط، ولكن اعتراضهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، أليس هذا فيه اعتراض على توحيد الأسماء والصفات؟
الجواب:
الشيخ: فيه اعتراض على توحيد الأسماء والصفات، لكنهم لا ينكرونها كلية مثل ما يفعلون في العبادة؛ يعني يقرون ببعض الأسماء وينكرون بعضاً. والحقيقة أن هذا -إنكار بعض الأسماء والصفات- يعتبر كإنكار الجميع؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يقر بشيء ويكفر بمثله إلا كان كافراً بالجميع.
النشرة البريدية
عند اشتراكك في نشرتنا البريدية سيصلك كل جديد يتم طرحه من خلال موقع وقناة إستبرق الإسلامية